ثلاث رسائل الى كاميليا
كارين ضومط | حزيران ٢٠٢١
من معرض على مشارف الغابة حديقة
English version of the text
.وصلتها ثلاث رسائل – قد يكون قد مرّ بين الواحدة والأخرى أيام، أو ربما سنوات
الرسالة الأولى
عزيزتي كاميليا،
دخلنا الغابة في الليل، وانتابني قلقٌ من ليلِ الغابة هذا. رغماً عن خوفي، سرح نظري أفقياً في حركةٍ تُشبه ما يُسمّى في السّينما بالبانوراميك. كانت الحركة متعثّرة في البداية، ثم راح جسدي ونظري يلتحمان في حركةٍ متواصلة، رسمت دائرة في حدود الفضاء حيث أقف. أردت من خلال هذه الحركة أن أكرِّس فعل دخولي إلى الغابة، أن أرسم موزاييكاً من ألوانها وأشكالها. تستوقف نظري شجرة ينقسم جذعها إلى أربع أو خمس جذوع، وكأنّها أذرعَ أخطبوطٍ تتسلّل تحت الأرض من جميع الجهات. يلحق نظري إحدى البراثن وهي تختفي في قعر الغابة. أتبعها دون أن أراها، فيجول نظري على سطح الأرض ويلحق بالجذر الخفية لدقائق طويلة، إلى أن يتسرَّب إليّ النوم فأغفو. أرى في نومي، أو ربّما في أوّل مراحل الصحو، نهاية الجذور وكأنّها وجدت أخيراً مخرجاً من الأرض نحو العالم المرئي. إنّها تخرج من هضبة لتتعرّى في الفلاء. ليست الأرض هي التي تحمل الشجرة، بل الشجرة التي تساعد الهضبة على التماسك. الهضبة هي في الحقيقة صخرة ضخمة، تتفتّت مثل البودرة ولا شيء يمسكها إلا جذور الشجرة، وكأنّ بفعل التلاحم التي تقوم به الجذور، الكوكب بأسره يلتئم. سلكنا بعدها طريقاً، لا أعرف إذا كان طريقاً إلى الغابة أو طريق العودة منها، طريقاً لا نصل أبداً إلى نهايته، فها هو الليل يهبط علينا من جديد، فيهبط الخوف كالليل عليّ. أخبرك بكلّ هذا ولكن من الممكن أن تخونني ذاكرتي وتفوتني تفاصيل أخرى.
الرسالة الثانية
عزيزتي كاميليا،
في يومنا الثاني في الغابة، وصلنا أمام كتلة مرَّكبة من مجموعة صخور، وكأنها تكتّل جبلي صغير. إنها حتماً بداية الغابة، أو ما كان يبدو بداية مناسبة لليوم هذا. هنا أشجار أرزٍ عملاقةٍ، جذوعها ضخمة لدرجة تبدو انها مشوَّهة. تتناسخ إحداها إلى ثلاث جذوع، تماماً وكأنها شقيقات سيامية. بعضها يشبه الحمم البركانية، وكأن الجذع تحوَّل من جسم جامد إلى آخر سائل ذو لون بني داكن، ربما هو دم أحمر جامد، دم الشقيقات السيامية الثلاث. الأرض مغطّاة بالعشب والنّبات. ينساب ضوء رائع على كل شيءٍ من أمِامنا، ثم يتبدّل الضوء في لحظة، وكأن المكان لم يعد هو نفسه الذي كنّا نقف فيه، أو كأنّنا انتقلنا إلى مكان آخر بفعل الضوء هذا. هنالك شيء خلاب في هذه الغابة، شيء خفي مجهول، يحثّنا على الدوران في حلقات مثل دراويشٍ في لحظة الصّلاة. أمرٌ ما يدفعني الى رسم حركةٍ لولبيةٍ حلزونيةٍ تشبه سطح الجذوع المقطوعة. أرسمها بيدي في التراب، وألاحظ أني رسمت ثقباً اسوداً.
الرسالة الثالثة
عزيزتي كاميليا،
ها أنا في الغابة مرة أخرى، أدور وأدور على نفسي من دون توقّف، فيحوِّل نظري الأشجار إلى لوحة اكواريل خلّابة. أرى الأشجار تنزف، وكأنّي اخترقت بالدوران هذا مسام سطحها. ثم أصل إلى ما يشبه غابة إستوائية، فتنهال عليّ السحالي والعصافير كالمطر.