عن العلاقة المتشعّبة بين الفرد والمجموعة:
حوار مع غسان حلواني

إن هذا الحوار هو جزء من مجموعة “مدونات حول العمل الجماعي”، من تمويل مفردات

أُجريَ الحوار التالي في شباط ٢٠٢٢ في مَنشِن (زقاق البلاط، بيروت) مع غسان حلواني (مخرج، نجّار)، العضو في مجموعات عدة تعمل في مبادرات وفضاءات جماعية مختلفة، منها الفضاء الجماعي مَنشِن، ومشروع روضة الأطفال الجماعي مدرسة الغابة، والحملة الأهلية للحفاظ على الدالية وأرشيف المفقودين. بدأ الحوار بشكل عفوي بين الصديقين كارين ضومط وغسان حلواني، ومن بعدها كتب غسان ملخّصاً عن كل تجربة على حدة، نشاركها في النص على شكل حواشٍ. إن هذه المقابلة ومجموعة الملاحظات المرفقة بها تتيح لنا رصد بعض الظروف التي قد تدفع الفرد، في مدينة مثل بيروت، إلى اللجوء إلى الجماعة كطريقة من طرق الصمود في وجه التحولات والخسارات المتتالية التي يتعرض لها سكان المدينة.

***

كارين. في بدایة معرفتي بك، كنت أظن أنك شخص منعزل وعندما رأیتك في مطبخ مَنشِن اليوم، تتفاعل مع مجموعة من الأشخاص، أدركت أنك أصبحت جزءاً من مجتمع محليّ، بل من عدة مجتمعات محلّیة. في البداية، أريد أن أسألك إذا كنت تمارس ھذا النشاط الجماعي من قبل، بل إن كانت لديك منذ بداية مسارك رغبة في خوض تجارب مماثلة، أو إنّ حدثاً ما حصل فجأة فتحولت الأمور، حتى غدت تلك التجارب المتتالية جزءاً من تركیبة حیاتك كما هي الحال الآن؟

غسان. بالتأكید، أنا في حالة صراع ما بین حيّزَيْن، أي إنّي أتّجه في الوقت نفسه نحو الإنعزال في طریقة إتمامي الأمور، ونحو المشاركة والعمل الجماعي. في البداية، درست اختصاصاً لم أكن أحبه ثم سافرت إلى فرنسا وكنت أظن أنّي أرید أن أدرس السینما، ولكن بعد ثلاثة أشھر تقریباً صارحتُ نفسي بوضوح بحقیقة أني لا أصلح للعمل الجماعي وأدركت أنني “لاعب منفرد”، فقررت أن أنتقل إلى قسم التصویر الفوتوغرافي. أظن أن جزءاً منّا یرید تحقیق أشیاء خاصّة إلى حد كبیر، وجزءاً آخر – أعتقد أن لهذا الأمر علاقة بالظروف التي نمر بها – ھو إدراك أن ھذه العزلة، ھذا التعلّق المفرط بالفضاء الخاص، یمكن أن یكون أمراً تافهاً. أنا أشعر بعدم الجدوى أحياناً عندما أفكر بالعزلة التي یعمل فیھا الشخص على مشروع بمفرده. كما أعتقد أن ھذا الأمر یتعلق بالحيّز السیاسي الذي في داخلي وطبيعة المرحلة أو المراحل التيّ نخوض معها تجاربنا في هذه الناحية من الأرض.  تنبهت مؤخراً إلى حالة الصراع ھذه، وهو بالنسبة لي أيضاً صراع بین الشاعري والسیاسي. أظن أن أحداثاً عديدة كانت لها تأثيراً على تطّور طریقة تفكیري وممارستي لهذا الموضوع.

كارين. ما هي تلك الأحداث؟ 

غسان. أذكر جيداً أن في سنة ٢٠١٣، قلت لصديق قديم مشترك بيننا: أنا مقتنع تماماً بأنه لا یمكننا النجاح وحدنا، وأن مفهوم الشخص الناجح الذي تربينا عليه ليس حقيقياً، وأن في هذا السقوط الجماعيّ الذي نحن فيه، ما من معنى للنجاح الفرديّ، خاصة أنه مؤسسٌ للوحدة والعزلة. سألني وقتها الصديق عن الحلول التي كنت اقترحها. قلت له إني لا أعرف، وإني لا أستطیع تقدیم اقتراح وحدي، لكنني أشارك ھذه الفكرة وھي بدایة حدیث. حینھا لم أكن أشعر أني لن أنجح بمفردي فحسب، بل كنت قد بدأت افهم أن العزلة لم تعد متاحة أصلاً، أي أنها لم تعد خیاراً. حول موضوع وجودي في المساحات المشتركة، في البداية كنت أبذل جھداً كبیراً، فالسلوك الذي يتيحه العمل الجماعي لم يكن من طبعي، باعتباري شخصاً كان قد اعتاد على العمل الفردي. كان عليّ بذل مجھود كبیر وأخال أن مع الجھد المبذول أموراً كثیرة تطورت واكتشفتُ الدینامیكيات المتعلقة بالعمل الجماعي في داخلي. ذلك تطورٌ حصل من خلال الاحتكاك مع الأفراد،  وملاحظاتهم، وتأثيرهم عليّ.  

أشعر ان الأمور تسارعت حین بدأت أعي معنى وحجم الخسارة، أو بالأحرى حجم الخسارات المتتالية التي كنّا نتكبدها كأفراد نعيش في هذه المدينة.  كان لدّي إحساس بأن الخسارة فعلیّة رغم انها ليست خسارات بالمعنى الخاص، وهي خسارات لا رجعة عنها، وأنني عاجز عن التعويض عن تلك الخسارات، ولا جدوى من بذل الجهد وحدي. بدأت أحس بمساحة الخسارة أو بقوتھا في حرب تموز ٢٠٠٦. في ذلك الوقت، عشت العجز بشكل حقيقي للغایة. على الصعید الشخصي، كانت أول مرة أشعر بهكذا عجز، على هذه الدرجة من العنف في الارتطام بجدار العجز، كما أن ھذا العجز كان مرتبطاً بفردیّتي. كنت أمشي في المدینة وحدي، والمدینة فارغة، وأفّكر كیف سأوقف ھذه الحرب؟ كل ما أریده ھو أن تتوقف. حینھا سقط الكيان الفردي لديّ وفي الوقت ذاته كان لوقع الدعوة للعمل التيّ وصلتني كفنان، والتي تحثني على الإنتاج من داخل الحرب، وقعٌ معاكس. رأيت في تلك الدعوة تعزيزاً للفرد ولأهميّة التجربة الفرديّة، بمعنى آخر أعيش الحرب انطلاقاً من أنني فنان بينما لا أعرف إن كان طبيب الأسنان يعيش تلك الحرب كطبيبب أسنان. في مساءلتي لهذه الفكرة وعجزي الذي ذكرته سابقاً لم أر في موقع الفنان إلّا إحتمال أن يلعب دور الشاهد على الفظائع وأن يعيد تمثيلها. حينها لم أعد أرى في احتمال الفنّ-الفرديّ من داخل الكارثة سوى صفته التمثيلية، وعجز هذه الصفة. كما راودتني فكرة أن الفنان، ومن موقعه كشاهد، يختار الموقع الأمثل للنظر أو المراقبة، فلا يرتبط بشكل ماديّ مع الكارثة، وإنما يبقى على الحيّاد بحكم أنه شاهد، بمعنى آخر هو ليس مرتبطاً باحتمال موته. كان هذا فصلاً رهيباً ونقطة تحوّل في مساري. 

كارين. كيف قادك ذلك الوعي الجديد الى الاحتكاك بالجماعيّ وما هي فعلياً أول تجربة جماعية لك؟ 

غسان. إحدى التجارب الأهم التي خضتها ھي معركة الدّالیة. لم أكن أعرف أيّاً من الأفراد من قبل ولكن كانت لدي علاقة خاصة بالمكان، علاقة متصلة بصديق خسرته هناك. كانت الدّالیة مهمة بالنسبة إلينا، إذ كنا نعبر السّور الذي يفصلها عن المدينة وندخل معاً الى مساحة خارجة عن قوانين والسلوك العام القائم في المدينة، فكانت تشكل ملاذنا الأخير. لقد توفي زیاد أبي عزار (شاعر) في الدّالیة في شباط ٢٠١٢ ويبقى هذا المكان خاصّاً بالنسبة لي.  

كارين. أخبرني عن معركة الدّالیة.

من الحملة الأهلية للحفاظ على الدالية

ملاحظة رقم ١: عن الحملة الأهلية للحفاظ على الدالية 

نشأ هذا التحرّك نتيجة لبدء عمليّة هدم البيوت والمقاهي المسماة بالمخالفة بطلب من مستملكيّ الأرض المستحدثين، والتي كان يقطنها الصيّادون على الامتداد الصخري ناحية صخرة الروشة المسمى ب”دالية الروشة”.

كانت عمليّة الهدم والأجواء الأمنيّة التي رافقتها معبرة عن التهديد القادم على تلك المساحة، ونتيجة لذلك التقت بشكل غير منظّم مجموعة متنوعة من الأفراد كانت معنيّة بذلك التهديد ولأسباب متعددة.

كان بين الملتقين مستخدمون لتلك المساحة، وباحثون حول التنظيم المدنيّ، وناشطون بيئيون، وأكاديميون وفنانون، وبدأت المجموعة السعيّ لضمّ الصيّادين والمتضررين المباشرين من تحوّل المكان.

حاولت المجموعة الحفاظ على تعدّديتها من دون الدخول في خوض أيّ نظام تأسيسي للمجموعة أو تحويلها إلى جمعيّة، وإنما كان العامل التنظيمي الوحيد لهذا التجمع هو حتميّة الخسارة، والواضح أنّ الخسارة لم تكن محتملة لأيّ من الموجودين.

عملت الحملة لعدة سنوات، استخدمت خلالها أدوات عديدة ومختلفة: قدّمت أبحاثاً بيئية واجتماعية، وصنعت مادة اعلامية وفنيّة، ورفعت دعوى تمّ دحضها من رئاسة مجلس الوزراء، وضغطت على بلديّة بيروت عبر التجمعات والندوات، وقامت بعدة أنشطة في الموقع متحدية القوة الامنيّة، ولجأت إلى تحالفات مع اطراف اخرى، وانضمت الى محاور معارك مماثلة في مناطق مختلفة من لبنان (المينا طرابلس، شطّ جبيل، عدلون، وادي جنتا البقاع…)، وأطلقت مسابقة عالميّة حول متخيّلات ممكنة للموقع شاركت فيها حوالي ٥٠ مجموعة من لبنان والعالم، واستطاعت وضع الدالية ضمن لائحة ٥٠ موقع مراقب من الصندوق العالميّ للتراث، وبعثت برسالة رسمية لرام كولهاس وهو المعماري الذي كان الشركاء المزعومون في ملكية الأرض (بنك البحر المتوسط وآل الحريري) قد طلبوا منه رسم المرفق السياحي الخاص المنويّ إقامته في المكان.

خلال تظاهرات ال٢٠١٥ كان موضوع الدّالية قد تخمّر نتيجة للتراكم. في يوم قرّر المتظاهرون بلحظة تجلٍ التوجه إليها وقاموا بتحطيم السياج الذي كان بنك البحر المتوسط وآل الحريري فرضوا وضعه على المكان قبل حوالي سنة أو أكثر.

أفضت التجربة والتحالفات إلى ولادة جسم تحت عنوان “ائتلاف الشطّ” والذي استمر بالعمل على قضايا الشاطىء والأملاك العامة.

غسان. استمرّت معركة الدّالیة خمس سنوات. بدأنا سنة ٢٠١٣ حین بدأ حراك ٢٠١٥… . هل تذكرین اليوم الذي توجّه فيه المتظاهرون إلى الدّالیة لينتزعوا السیاج؟ أتذكّر أنني كنت أقف حينها وأرجوھم ان يتركوا لي حدیدة واحدة أكسرھا. لقد كنت انتظر تلك اللحظة، لحظة استعادة هذا المكان العام منذ سنوات (یضحك). أثناء العمل ضمن الحملة، كنا مقیّدین بطرق وأدوات معیّنة “دبلوماسية”. كنّا قد عقدنا جلسات عديدة للتخطیط حول كيفية نزع السياج وتخيّلنا طريقة الدخول إليها: كیف سنقتلع العامود،  كيف سیربط  أحدنا العامود بالسيارة و يسحله… ولكننا لم نفعل ذلك أبداً، إلّا إذا قام المتظاهرون بذلك بشكل عشوائي… في لحظة تأجج جماهيريّ، وبحكم تحوّل الفرد إلى مجموعة أو جماهير، يصبح القانون القائم على الفرد بحالة التباس، فيسمح بالقيّام بأفعال قد تُعتبر عنيفة مثل كسر السيّاج وقلع العواميد، دون خوف من الفشل أو الوقوع في حالة عقاب فرديّ.

كارين. ماذا عن تجربة مَنشِن؟ هل كانت قد بدأت وقتها؟

القاعة الأساسية لمَنشِن في زقاق البلاط

ملاحظة رقم ٢: عن مَنشِن

هو عبارة عن قصر قديم، مبنى من طابقين وقبو وسطح يجمع ما بين غرف خاصة ومساحات مشتركة. يشكل المكان “أعجوبة في  قلب النيوليبرالية” إذ أنه أعطي لنا من دون مقابل ماديّ. هو أيضاً حالة جدليّة بين مفهوم الأمتار المربعة وقيمتها الماديّة بحسب رؤية السوق العقاريّ للأرض من ناحية، والقيمة الاجتماعيّة للأرض من الناحية الأخرى.

يمكن إيجاز تجربة مَنشِن ببعده النقديّ إذ أنه فتح المجال للممكن والمحتمل خلال مرحلة كانت السياسة والاقتصاد فيها تُحكمان إقفال الأبواب. مَنشِن ليس مؤسسة، ولا يفرض تعريفاً موحّداً لطبيعة استخدام المكان، وإنما حاول منشن أن يحدّد ما الذيّ لا يرغب بحدوثه في المكان، وهو ما يمكن أن يتعارض مع مواقفه السيّاسيّة من القضايا المطروحة عليه ومن حوله. سأعطي مثالين للتوضيح: 

في أواخر عام ٢٠١٥ تقدمت مؤسسة غوتيه بطلب إقامة معرض صور لفنانين قاموا بتصوير انتفاضة ال٢٠١٥، وبعد المناقشة تقرر رفض الطلب، و كان السبب بالمختصر هو عواقب تحوّل حراك سياسيّ قائم وحيّ إلى مستواه التمثيليّ (معرض صور). كان       مَنشِن  يرى حراك ٢٠١٥ بمثابة امتداد لحراك ٢٠١١ (اسقاط النظام) وأن هذه الانتفاضة لم تنتهِ، فأتت ثورة ٢٠١٩.

تقدمت جمعية محاربون من أجل السلام والتي تضمّ محاربين ضمن ميليشيات الحرب الأهليّة، بطلب تصوير في مَنشِن، وحين كانت لجنة أهالي المفقودين من مستخدميّ مَنشِن أيضا، فقد طلب مَنشِن من الجمعيّة المتقدمة بالطلب بأن تجري حديثاً معنا قبل التصوير، ليس لرفض أو قبول الطلب، وإنما كامتداد لطبيعة المكان ومستخدميه وسياسته، ومن أجل فتح نقاش جدليّ. رفضت الجمعيّة الدعوة للنقاش، فرفض مَنشِن استخدامه كمكان عتيق وجميل يوحي بنوستالجيا الماضيّ.

فتح هذا الأمر المجال لتجارب اجتماعيّة\سياسيّة، فنيّة\ثقافيّة، خاضها الناس في المكان بحسب الظروف المحليّة والاقليميّة، جبلته وجبلها، حولته وحوّلها، أعطته معانيَ متعددة لأسباب وجوده. 

ليست للمكان إدارة أو مركز قرار، وإنما تتم مراجعة ما يحصل في المكان خلال اجتماعات شهريّة تجمع المستخدمين الأكثر حضوراً ومتابعة في المكان.

كارين. كيف بدأت قصة مَنشِن؟  

 غسان. في عام ٢٠١٣ حصل غسان معاصري وساندرا ايشيه على الفيلا الصفراء الذي صار اسمه لاحقاً مَنشِن. كنت قد التقيت بغسان في مظاھرة في هذه الفترة. حينها، كنت أرید مغادرة منزلي في شارع مار مخايل (قبل أن تتحوّل مار مخايل لثورة مقاهٍ وبارات ومطاعم وسندويشات). كنت أعمل في ذلك المنزل منذ ثماني سنوات، بحيث قررت بعد حرب تموز إعتزال الفن أو بالأحرى أن أكون حاملاً لأيّ مشروع فنيّ، وتبنيت مهنة الرسم والتحريك كحرفة غبّ الطلب. عملتُ حینھا مع فنانين، ولم أكن أرید أن أتبنّى أي مشروع خاص بي. كنت حينها أعيش أيّامي بشكل محليّ محدود جداً ضمن إطار الحيّ  والشبكة الاجتماعية للجيران. كان الحيّ سكنيّاً وصناعيّاً مرافقاً بتجارات تلبيّ حاجات هذين النوعين من الوجود. كنت قد بدأت أحسّ بالحاجة لوجود ثقافيّ نقديّ خلال ساعات العمل أحتكّ به ويحتكّ مع عمليّ. حينها التقيت بغسان معاصري كما ذكرت ودعاني لزيارة مَنشِن. 

في البداية، كان هناك شخصان غير ساندرا وغسان في المكان، وهما زياد بو عاصي (مصمم غرافيكي) وأيمن حسان (مصمم غرافيكي). لم يكن واضحاً كيف سيأخذ المكان وجهته. كانت أولى التجارب مع أحد الفنانين، فقد جاء إلینا رسّام اتخذ واحداً من استوديوهات مَنشِن مقراً له. رسَمَ كل الوقت في الستوديو ثم عرضَ نتاجه في غاليري تجاريّة وباعھا ففهمنا أن التجربة شبه مقفلة، وخلال المعرض لم تكن للفنان المذكور علاقة فعليّة مع المكان وكذلك الأمر بعده. عرفنا حینھا أننا لسنا مھتمّین بتجربة كھذه. في البداية، كان بيننا أيضاً كوكبة كبیرة من صغار في السن حديثي التخرّج ممن ينوون بدء تأسيس شركاتهم الخاصة (pop ups). 

كارين. لقد تقاطعت إذن تجربتي مَنشِن والدّالية في سنة ٢٠١٣. في ذلك الوقت، كنت منخرطاً أيضاً في عدة مساحات أخرى، منها ما هو موروث كلجنة أھالي المفقودین…

غسان. أجل، ومنھا ما ھو في إطار “أنا أصنع طريقي وتباً للموروث” (يضحك). لست متصالحاً مع حالة “الناشط”. قد تربطني بهذه التسمية علاقة اضطرار تصحبھا حالة نفور. لكنّي انخرطت في تجارب مختلفة جداً طوّرت علاقتي بهذه التسمية. بينما العمل على حملة الدّالیة كان يتطلب منّا خلق الأدوات واكتشافها في إطار عملنا اليومي، وكان العمل على أرشيف لجنة أھالي المفقودین  قد وصل إلى مرحلة صرنا نعرف فیھا جمیع الأدوات ولدینا خطة عمل واضحة.

من ارشيف المفقودين

ملاحظة رقم ٣: عن ارشيف المفقودين

كلمة أرشيف جديدة، ولم يكن لهذا “الجسم” اسم واضح من قبل. قضيّة المفقودين وأهالي المفقودين هي قضيّة حيّة، فكنّا نتجنب كلمة أرشيف. عشت جزءاً كبيرا من حياتي الى جانب ذلك “الارشيف”، بقربه، ما يعني نوعاً ما أني كبرت جنباً إلى جنب معه، أو بالأحرى كبرنا سويّاً، أنا أكبر وأعداد المفقودين تزداد مع مرور الوقت فيتضخّم ويكبر. حتى اننا عشنا فترات في نفس الغرفة.

هو صنيعة والدتي وداد حلواني (مدرّسة، مؤسسة ورئيسة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان) التي خاضت المعركة الى جانب أهالي المفقودين، والتي كانت تجمع كل ما له صلة بالقضيّة منذ عام ١٩٨٢.

خلال الحرب في ٢٠٠٦ كان “الارشيف” موجوداً في غرفتي (غرفتي وانا طفل حيث كنت أعيش مع أمي)، وكنت قد غادرتها قبل عدة سنوات. كانت شقة والدتي محاذية لمناطق القصف الاسرائيليّ، فتوجّب علينا نقله. حينها واجهته لأوّل مرّة بشكل رسميّ. لأوّل مرّة لم يكن غريميّ في الغرفة، وليس هو ذلك الجسد القاتم البغيض والرقيق على حدّ سواء، والذيّ ابتلع حياتنا، والذي أصبحنا مجبرين فيه. أدركت ما هو: هو ارشيف المفقودين. رأيت هيبته في أوجّها وانبهرت. 

أما المرحلة الثانية بالنسبة لي، فكانت اشكالية نقله. في وقت كان فيه القصف الإسرائيلي متواصلاً على مناطق ضاحية بيروت الجنوبية، اضطررت إلى فرز النسخ الأصليّة من الصور. انزلت الصور أو الفوتوكوبي إلى مستوعب النفايات. أثناء وحدتي في تلك اللحظة في الشارع النائي والقصف القريب، وأنا أرمي نسخ الفوتوكوبي في المستوعب، وأفكر بحقيقة وحدتنا في هذا العالم والمسؤوليّة الواقعة عليّ، تراءت لي فكرة: الأرجح أن هذا الأرشيف سيكون إرثي. رُعب. 

منذ تلك اللحظة أصبح هاجسي ألّا أرثه، وأصبحت عمليّة تحويل الأرشيف إلى مؤسسة هي فعلياً إنقاذ نفسي من الورطة.

بدأنا العمل، والدتي وأنا ضمن حجم معرفتنا. بعدها استعنّا بصديقين، بيار ماري كروك (مطبعجي، طور أداة خاصة للعمل في الارشيف) وساندرا ايشيه، ومعهما طوّرنا آليّة العمل وموارده البشريّة. دعينا الناس إلى المشاركة بانجاز المطلوب كعمل تطوعيّ، ونشأ فريق العمل. توجهنا إلى أشخاص مختلفة تمتهن الأرشفة، وعملوا على تدريبنا بشكل تطوعيّ كلّ بحسب اختصاصه، وكانت طاقة المتطوعين والمدربين مذهلة.

اليوم، يمكننا اعتبار أن الفريق أنجز كل المراحل، من ترميم الورق، ونظام الترقيم، والرقمنة، وصناعة العلب العازلة، وتخزين الورق، وبناء الميتاداتا. ننهي حالياً الويب سايت الذي من خلاله يُصبح الأرشيف مفتوحاً للناس. كما نبحث حالياً عن غرفة عازلة مبردة لحفظ المادة الورقيّة.

كارين. أفكر بالأشكال العديدة التي یمكن أن تسمی الجماعة أو المجموعة. أین حدود الفرد والمجموعة؟ دافید یون من derives.tv، وھو موقع الكتروني جمیل جداً حول السینما، قال لي: كنا مجموعة أصدقاء ثم أصبحنا أشخاصاً یعملون معاً، ومع الوقت نطمح ان نصبح مجموعة أو collectif كما قال بالفرنسية. كأنّ تعریف ھذا الأمر ينضوي على عدة تدرجات وفي الوقت نفسه يتضمن حركة دخول وخروج مستمرة… 

غسان. منذ سنة ٢٠١٤، طلبت من غسان معاصري ان يتوقف عن تردید أن مَنشِن ھو مكان عام. لا يمكنك الادعاء أنك تقيمين مكاناً عاماً، المكان العام یكون بتعّرف الآخر علیه ولیس وفقاً لقرار من صاحب المكان… 

كارين. من جھة أخرى، ما علاقة ” العام” بالمجموعة؟ وھل الحركة نحو العام هي الحركة الطبیعیة لكل المجموعات؟ أم أن لبنان حالة خاصة حیث تتعلق المجموعات بالأماكن غالباً، أو بفكرة التعويض عن الاماكن العامة المفقودة؟ إن مدرسة الغابة أیضاً لھا علاقة بالمكان، بحیث تبحثون عن مساحة أو مكان آخر، اذ أن الأطفال محرومون منه… 

المربية دانة أبو رحمة برفقة مجموعة من الأطفال في غابة

ملاحظة رقم ٤: عن مدرسة الغابة

خلال مرحلة البحث عن حضانة لابنتي دنيا ونتيجة لما كان يقدمه السوق من احتمالات، كان من الواضح أن على المرء أن يختار اي خسارة هو مستعد أن يتحملها أو يحمّلها للطفل: تربوية، اجتماعية، اقتصادية. الواضح أنه كان يتوجب على الطفل أن يبدأ بالتحضير لحياته اللاحقة بدلاً من أن يخوض غمار تعرفه على ذاته، على الوجود، وعلى كوكب الأرض.

حصل لقاء أوّل مع دانة أبو رحمة (مدرّسة، تعمل على تطوير برامج حول التعليم في الطفولة المبكرة، مؤسسة مدرسة الغابة حرشنا، مخرجة) شرحت لنا خلالها عن مدرسة الغابة، والتي كانت خاضت تجربة تعليميّة معها في اسبانيا. بعدها طلبت دانة من ياسمين صباغ، مؤسِسة المدرسة في اسبانيا، القدوم إلى لبنان لتقدّم شرحاً مفصّلاً حول مدرستها. خلال اللقاء التقينا مع عائلتين غيرنا.  

كانت الفكرة سوريالية، وكانت فكرة أولى “مجنينة” أن نُنشئ مدرسة غابة داخل حرش بيروت الذي كان من شبه الممنوع دخوله. قررت عائلات ثلاث خوض التجربة، وساهمت بدفع تكاليف دراسية لدانة في أميركا، من بعدها عادت دانة وبدأنا المراحل الأولى من التجربة مع ثلاثة أطفال.

بسرعة انضمت إلى المجموعة ثلاث عائلات جديدة، ومع بداية التجربة بدأ العمل على شكل المؤسسة التي كنّا في طور صناعتها. في العام التالي اكتمل عدد الأطفال (١٥ طفلاً)، وهو أكبر عدد ممكن لتجربة كهذه. كان نظام المدرسة وهيكلها بدأ يأخذ شكله متأثراً بالتجربة نفسها، وانتقلت المدرسة من حرش بيروت إلى غابة خندق الرهبان في بعبدا.

المدرسة قائمة على جهود مشتركة بين دانة (المدربة الرئيسية) وباقي المدربات من جهة، والأهل من جهة أخرى. تسمح هذه الجهود للمدرسة تجنب تكاليف هائلة وعمليّة توظيف مكلفة لمهام باستطاعة الأهل القيام بها، والابتعاد عن الشكل الاستهلاكي للمدرسة. يسمح ذلك أيضاً بإنتاج نظام اقتصادي حيّ، يتعامل مع مداخيل المدربات ومداخيل العائلات بشكل sliding scale أو المقياس المتدرج. ثمة عائلات تدفع بدلاً ما وعائلات أخرى تدفع بدلاً آخَر بحسب قدرتها. يتوحّد الجميع في حاجتهم لخوض التجربة بشكل مشترك، ويعتنون عبرها ليس فقط بأولادهم وإنمّا بموظفيها وبالمدرسة بشكل أوسع.

غسان. موضوع العام معقّد، مثلما ذكرت سابقاً حين ناقشت غسان معاصري حول إذا كان مَنشِن مكاناً عاماً أم لا، قلت له أنه لا يمكن للمبادر أو المبادرة الادعاء بذلك، وإنما من يحدد ذلك هو القادم إليه، وإلّا سيصبح الشكل كما لو أنّك تضع نيشاناً على صدرك بنفسك.

الناس بشكل عام تختبر العام في لبنان من خلال ما تقدمه المؤسسة العامة، بمعنى آخر الدولة، وليس من خلال ما قد تقدمه مبادرة خاصة. وبحكم اعتزال الدولة مهمة تقديم المساحة العامة، تقوم مبادرات على اقتراح مساحات تحت تصنيف العام. ولكن، كيّ يكون المكان بالفعل عاماً لا بدّ من مجهود كبير لذلك، أهمّه كيف نبني علاقة دائمة مع النموّ المستمرّ لإحساس الملكيّة، وما ينبثق عن هذا الإحساس من سلطة على المكان. فالحقيقة أن كلّ ما نقوم به من مجهود لإنتاج هذا المكان يتحوّل بشكل لا إراديّ إلى رأسمال، فكيف على المرء تفكيك هذا الرأسمال بين الحين والآخَر كيّ لا يتحوّل إلى سلطة داخل المكان، أو إدارة مقفلة له. استنتجنا أن الاجتماع الشهريّ، والذي هو الأداة إداريّة في مَنشِن، هو اجتماع مفتوح لكلّ المستخدمين الموجودين بشكل مكثّف خلال فترة ما، وليس حكراً على مجموعة محددة تقرّر. لا أقول أن هذا ما جعل مَنشِن مكاناً عاماً أو لا، فثمة من يعتبره كذلك وثمة من لا يعتبره.

أما عن تجربة الغابة بشكل خاص، فھي معركة من أجل الوجود في الغابة. نحن كمجموعة نُستفز تلقائیاً حین یدخل أحدھم إلیھا بدراجته الناریة أو برانج روفر لأننا نعتبر ذلك تھدیداً لوجودنا. لدینا معارك عدة ھناك، وفي إحدى المرات سرقنا منشار أحدھم لأنه كان یقطع الأشجار لیأخذ زاویة لنفسه في الغابة. أعتقد أن الأمر مشابه بالنسبة للعلاقة مع مساحة منشن. 

كارين. أي كیف تخلق مكاناً یكون مفتوًحا ومغلًقا في الوقت نفسه… 

غسان. إنه صراع مستمر… لأن ثمة دائماً حیّز من الخسارة. سوف أعطي مثالین مختلفین: إحداھما الأرشیف، الذي لا نرید إغلاقه ابدا. 

كارين. أرشیف المخطوفین… 

غسان. نعم، ھو عمل جماعي، بدأ ھنا، نتیجة لقاء مع شخصین كانا في منشن: بیار ماري كروك و ساندرا ايشيه. اتخذنا القرار، بعد أن وجدت شخصین لدیھما الاستعداد الّتام لخوض التجربة. بدأنا حینھا العمل على الأرشیف، وكان ھناك الكثیر من العمل.  إحدى الإشكاليات الأساسية كانت في كیفیة فتح ھذا الأرشیف، وكيف لا یكون مغلقاً. لذا طوّرنا نظاماً لطريقة كتابة ھذا الأرشیف والمادة التي ینتجھا ومختلف المواد التي یتضمنھا، ويتمثل في انتاج تحلیلات حول المواد. هذه المواد ضرورية، وهي تُنتج لئلا یكون الأرشیف مغلقاً، لأنه في ھذه الحالة سيكون قد ولد میتاً. قررنا حینھا وضع نظام “ویكي” ھو عبارة عن خلق مساحات نقاش تؤخذ على أساسھا الملفات، وھذه المساحات تكون في أماكن مختلفة: في الجامعات، وفي جلسات عامة، ومع أشخاص من مختلف الظروف ینتجون معاً وثیقة. ھذه الوثیقة تبقى في حیّز الویكي، بما يعني أن أي شخص یستطیع تعدیلھا. لكن ھل يمكننا فعلاً، لفتح مساحة هذا الأرشيف للآخرين، التخلي عن فكرة عدم التحكم بھذه الوثائق الويكي قبل نقلها إلى مستواها النهائيّ؟ أيّ سرديّة نهائيّة يمكن للأرشيف أن يحملها؟ نحن ملزمون بذلك في الواقع لكن عدّة أمثلة أثبتت لنا أنه من الضروري لكل تدخّل أن یمرّ عبر فلترات نحدّدھا. في مدرسة الغابة أيضاً، حاولنا.. 

كارين. استقطاب عدد أكبر من العائلات مثلاً؟

غسان. نعم. لكنك تكتشفین فجأة أن الأمر یتطلب توافقاً بين الأهل على أمور معینة. اتضحت لنا نتیجة التجربة، ذلك أنه لا یمكننا قبول أیاً كان ضمن المجموعة. تقابل دانة الأطفال لتحدید مدى قدرتھم على التواجد في الغابة، وإذا ما كان ذووھم قادرين على تقبل فكرة وجودھم، إذ ثمة حيّز دقيق من المسؤوليّة، فالغابة ليست كالصفّ.. یجب على حد قولھا “أن یكونوا مستعدین”. ھي تراقب بعض التفاصیل لتحدید ذلك. اكتشفنا من خلال التجربة أننا نحن أيضاً بحاجة لمقابلة الأھل لنفھم مدى قدرتھم على التواجد في ھذا المجتمع الذي تكوّنه هذه المدرسة. على سبيل المثال، يعتبر بعض الأھل كما لو أنھم سجّلوا أبناءھم في المدرسة لینتھي دورھم عند ھذا الحد؛ أما نحن فنعمل بأسلوب مختلف حيثُ للأهل دور كبير في تشكيل، وتطوير وإدارة المجموعة. كما أنّ للمدرسة مفاهيم اقتصاديّة واجتماعيّة، يتوجّب على الأهل قبولها:       ليس على  كل عائلة مثلاً تسديد       بدل الأقساط ذاته، لأن الأمر مرتبط بمدخول كل عائلة. هذا ما يسمح بعدم اغلاق هذه التجربة أو حصرها بفئة اجتماعيّة محددة، وهذا المفهوم مختلف عن مفهوم المساعدة بتخفيض القسط  لعائلة ذات دخل منخفض بعد أن تقدّم طلب دعم. في حالة الغابة، هذا المفهوم بنيويّ، أيّ أنه ليس استثناءً مرتبطاً بتقديم طلب والبحث ومن ثمّ البتّ فيه. هو أشبه بعقد مسبق بين العائلات، والاعتراف بالعدالة الاجتماعيّة، وبطبيعة الحال هو عقد سيّاسي بالدرجة الأولى.

  ورشة زراعية مع مجد الحموي (موسيقي، مخرج ورسام) وعدد من أطفال مدرسة الغابة على سطح مَنشِن

كارين. إن تجربة الغابة تجربة جميلة جداً، وخاصة جداً.

غسان. حین بدأنا مدرسة الغابة، شعرت أن ھذه هي التجربة الأولى التي سنخوضھا مع أشخاص لدیھم الكثیر لیخسروه. ان فشلت التجربة، كما يقال: قد يخسر أبناؤهم ثلاث سنوات من حیاتھم. شعرت عندها بأھمیة تجربة العمل الجماعي حین توجد مصلحة، حین یكون حیّز من الخسارة على المحك، وقد تلمست هذا الأمر شخصياً. كلما ازداد الوعي عن “قيمة الربح” مقابل “قيمة الخسارة”، تختلف الأمور والديناميكية كثیراً. في منشن مثلاً، ربما يعي بعض الأشخاص قیمة المكان حين يخسرونه. ھناك معركة دائمة بين الذين قد تثبتوا في المساحة المريحة وھي ھنا الاستوديو الخاص بهم، والذين يحفّزون الجميع على التفاعل مع المساحة المشتركة، فهذا البیت ھو التزام یتطلب الكثیر، والبعض لديه امتیازاته الخاصة كمن لديهم الاستودیو الخاص بهم. 

كارين. ماذا عن مستقبل مَنشِن؟

غسان. يحوي مَنشِن اليوم كميّة هائلة من الاستخدامات في مجالات عديدة يعمل عليها أفراد ومجموعات، مرتبطة بشكل مباشر بالمدينة وبالبلد. مشاريع ثقافيّة، سياسيّة، بيئيّة واجتماعيّة. يختم البيت سنته العاشرة مع نهاية سنة ٢٠٢٢، والمرجح أن يعيد مَنشِن الڤيلا الصفراء لصاحبها خلال سنة ٢٠٢٣. ليس واضحاً ما الذيّ سيحصل من بعدها، إذ كنّا نتوقع أن تنتقل التجربة، أو أن تصيب العدوى مجموعات وأشخاصاً آخرين فتولد أماكن أخرى. حصل ذلك في صيدا (سكّة)، وكذلك في منطقة عليّ النهري (بيت لمّة). لا أقول أنها حدثت بسبب مَنشِن، بل أذكر فحسب       أن الحاجة لهكذا أماكن واضحة. في مَنشِن نبحث عن احتمالات، فليست الفكرة باستئجار مكان، وإنما كما ذكرت سابقاً، تفعيل القيمة الاجتماعيّة للأرض، وفي بيروت، الأماكن الميتة اجتماعياً وحتى اقتصاديا كثيرة جداً، كالبيوت المغلقة والمعلقة في “شربكة” ورثتها وسعيهم للثروة الممكنة عبر بيع أملاكهم، والمدارس والعقارات التيّ تملكها شركات ومصارف وإغلاقها، الأملاك العقاريّة للمصارف، والتيّ أصبحت حقاًّ لنا اليوم أكثر من قبل، وهناك استملاكات بلديّة بيروت وأملاكها الميتة، وبعد. أعتقد أن العقد الذي أجريناه مع صاحب الفيلا الصفراء، وهو استخدام المكان من دون مقابل وليس للاستخدام التجاريّ، لا يبدو قد دخل مخيلة الناس في مدينة قتلت حيّزها الاجتماعيّ كنتيجة مباشرة لاقتصاد نيوليبرالي تغلغل في ثقافتها. يبدو       هكذا عقد أعجوبة اليوم، ولكن ممكنة.

تدوين : داليا شعيتو
تدقيق لغوي : حسين ناصر الدين